lacertid lizard

دراسة جديدة لجامعة نيويورك أبوظبي تتناول أحد أنواع السحالي المسماة “ليسرتيد” “Lacertids” وقدراتها الطبيعية على التكيف مع التغيرات المناخية

يعرب الخبراء عن قلقهم البالغ إزاء الفصائل الأخرى من السحالي وذلك في أعقاب دراسة جديدة تحت إشراف جامعة نيويورك أبوظبي حول أحد أنواع السحالي المسماة “ليسرتيد” “Lacertids” وقدراتها على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة الاحتباس الحراري.

 

تضمنت الدراسة، التي نُشرت في مجلة “نيتشر كوميونيكيشنز”، الاستعانة بتقنية تسلسل الحمض النووي فائقة التطور، وتحليل المستحاثات لبناء تصور حول كيفية تطور 262  نوعاً من تلك السحالي.

 
وبالنظر إلى مسيرة تطور هذا النوع من السحالي عبر التاريخ، نجد أن الكثير منها قد نشأ في بيئات دافئة، ولكنها تكيّفت مع انخفاض درجة حرارة كوكب الأرض، وتمكّنت من الانتقال إلى المناطق شديدة البرودة بمرور الوقت. 

 

يقول سيباستيان كيرشوف، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة نيويورك أبوظبي وباحث في المشروع “يشكّل انقراض بعض أنواع السحالي المتكيفة مع الأجواء الباردة دليلاً على عدم قدرتها على التكيف مع الوتيرة الحالية للتغير المناخي”. 

 

فهذا النوع من السحالي يحتاج إلى الدفء وأشعة الشمس من أجل زيادة درجة حرارة الجسم الداخلية وتعزيز عملية التمثيل الغذائي. وحتى وقتنا هذا، يدخل ضمن هذه الزواحف، والتي تُعرف أيضاً باسم السحالي الحقيقية، حوالي 340 نوعاً مختلفاً ينتشر في أوروبا وأفريقيا وآسيا، حيث نشأت هناك وتكيفت منذ ملايين السنين.

 

يعيش هذا النوع من السحالي في بيئات مختلفة؛ بدءًا من المناطق ذوات درجات الحرارة المرتفعة في الصحراء العربية وصولًا إلى الموائل الطبيعية الباردة في جبال أوروبا. حتى إن أحد أنواع هذا السحالي (سحلية فيفيباروس) تمكّن من بلوغ الدائرة القطبية الشمالية، أي أبعد من أي نوع آخر من السحالي.
وقد أجريت هذه الدراسة، بإشراف من جامعة نيويورك أبوظبي، بمشاركة 45 باحثاً من 17 دولة، وقد خلُصت إلى أن التغير المناخي يؤثر سلبًا في السحالي الصحراوية “ليسرتيد” التي تعيش في البيئات الجبلية والباردة والرطبة. 

 

وفي ذات السياق، يقوم ميجيل فنسيس، المؤلف المشارك وأستاذ علم تطور الأحياء في جامعة براونشفايج التقنية في ألمانيا “كان من المذهل اكتشاف مدى تكيف هذه الأنواع مع بيئاتها الطبيعية؛ إذ ترتبط طبيعتها الفيسيولوجية، ونطاق توزعّها الجغرافي، وتنوعها الكبير، وحتى معدلات حدوث الطفرات لديها، ارتباطًا وثيقًا بدرجات الحرارة التي تتعرض لها في بيئاتها الطبيعية”. 

 

وتعليقًا على الدراسة، قال خوان جارسيا بورتا، الباحث لدى “مركز البحوث التطبيقية للبيئة والغابات” في إسبانيا والمعد الأول للدراسة “خلُصنا إلى أن الطبيعة الفسيولوجية للسحالي مكّنتها من التكيف بشكل ملحوظ مع تغيرات درجات الحرارة البيئية؛ ما يجعلها حساسة جداً تجاه ظاهرة الاحتباس الحراري”. 

 

هذا ويخشى الباحثون أنه على الرغم من هذا النوع من سحالي الغابات الاستوائية يعيش في بيئات ذوات درجات حرارة تقارب درجات حرارة أجسامها، إلا أنه في حال ازدياد درجات الحرارة أكثر من ذلك، فلن تكون هذه السحالي قادرة على تحملها. ويُستثنى من ذلك السحالي الصحراوية التي تفضّل الحياة في درجات حرارة أعلى وفي انخفاض معدلات فقدان الماء، مثل السحالي الصحراوية التي تعيش في دولة الإمارات، والتي تتأثر تأثرًا أقل حتى الآن. 


على جانب آخر، يصعب التنبؤ بكيفية تكيّف الأنواع والفصائل الأخرى في البيئة الطبيعية. ويقول الدكتور جاكي جوداس، المدير والمستشار العلمي للتنوع البيولوجي للأرض في جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة “إنّ ما لدينا من معلومات حول قدرة الأنواع في جميع أنحاء العالم على التكيف مع التغير المناخي ضئيلة ومحدودة. 

 

كما أضاف “يتوقف الأمر على معرفة علاقة هذه الأنواع بالبيئة ومدى تكيّفها معها، وهناك القليل من المعلومات حول ذلك”. “معظم الأنواع تستطيع التكيف مع بيئاتها، ولكن التغير المناخي قد تنشأ عنه آثارُ مثل ارتفاع درجات الحرارة، وتغير مستويات هطول الأمطار ومعدلات الرطوبة، لذلك من الصعب التنبؤ بكيفية استجابة الأنواع لذلك نظرًا لمحدودية المعلومات الأساسية حول مستويات التحمّل البيئي لهذه الأنواع”. 


على الرغم من أن الأنواع كافة قد تتفاعل بصورة مختلفة، إلا أن تلك الأنواع التي تعيش في الإمارات العربية المتحدة، ذات الظروف البيئية الصعبة للغاية، يجب أن تكون أكثر قدرة على مقاومة الجفاف وموجة الحر، ولكن، إلى حد معيَّن فقط. 

 

وتابَع ” نعتقد أن هذه الأنواع قد تتكيف مع مستوى معين من التغير المناخي، إلا أننا لا نعرف الحد الأقصى لذلك، لأنها قد تكون قريبة للغاية من طبيعتها الفسيولوجية”… “فربما لا تتأثر بازدياد درجة الحرارة ازديادًا بسيطًا، لكننا لسنا متأكدين من ذلك”. 


وفي ذات السياق، أجرى د. جوداس تجارب محدودة فقط في الإمارات العربية المتحدة لدراسة كيفية تفاعُل الأنواع المحلية مع تغيرات درجات الحرارة نتيجة ظروف اصطناعية، ويقول إن هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به قبل أن نسوق أي تنبؤات.

 

بالإضافة إلى ذلك، قال د. جوداس “إذا واجه أحد الأنواع صعوبة في التكيف مع البيئة، فإنه يمكن أن يؤثر في النظام البيئي كله”. “فهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث والدراسات لمواصلة فهم المزيد حول أداء النظام البيئي، وقد يستغرق الأمر سنوات لفهم الاتجاهات المتعلقة بذلك ومواكبتها”.

 

وأردف قائلًا “في ذات الوقت، حريُ بنا اتخاذ احتياطات فورية لحماية التنوع البيولوجي في صورة “شبكة من المحميات الطبيعية للحفاظ على الأنواع التي تعيش في بيئة مثل الإمارات العربية المتحدة لتحسين مستويات تكيّفها مع البيئة”.

يقول د. توماس لوفجوي، زميل أول في مؤسسة الأمم المتحدة وأستاذ علوم وسياسات البيئة بجامعة جورج ميسون، إن السحالي الصحراوية ستكون قادرة على تحمّل التغير المناخي أفضل من الأنواع الأخرى.

 

كما أوضح “سيكون من الصعب للغاية تكيّف الأنواع الأخرى، ذلك أن معظمها لن يجد خيارًا إلا الهجرة للبحث عن ظروف بيئية تتناسب مع طبيعتها الفسيولوجية، ومن جانبنا نحن البشر، فقد تسببنا في جعل معظم مسطحاتنا الطبيعية الخضراء خيارًا صعبًا”. “وأحد الأشياء المهمة التي ينبغي القيام بها هو إعادة العلاقات الطبيعية بالمسطحات الخضراء، فإذا نظرت إلى أي مسطح أخضر طبيعي على كوكبنا، بعد تدخل الإنسان فيه، ستجد أن الطبيعة تميل إلى التقسيم إلى أجزاء، الأمر الذي يجعلها عقبة أمام تنقّل الكائنات الحية”. وهذا سبب أنه من الأهمية بمكان ألا يتجاوز مستوى الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

 

وأضاف “هناك احتمال كبير للغاية لانقراض العديد من الأنواع”. “علينا أن نسهّل عليهم التنقّل ودراسة الظروف البيئية التي يبحثون عنها. كما أن الرصد أمر أساسي لأنه بعد ذلك يمكننا التدخل بطرق من شأنها أن تعزز قدرتهم على البقاء”.

 

وتزخر الإمارات العربية المتحدة بعدد من الأنواع المختلفة القادرة على التكيف مع البيئات الحارة؛ بدءًا من الغزلان والإبل انتهاءً بالبقر الوحشي والعضلان (الجرذان الصحراوية). فما ينبغي على الباحثين العمل عليه، بل والاستمرار فيه، هو دراسة سيناريوهات احتمال ازدياد درجات الحرارة باطراد.

 

يقول د. سلفادور كارانزا، الباحث في معهد البيولوجيا التطورية (CSIC-UPF) في إسبانيا، وأحد المشاركين في الدراسة: “لست متأكدًا من مدى تكيّف هذه الأنواع مع التغير المناخي، فربما لن تعاني كثيرًا مثل السحالي، لكنها قد تنتقل أيضًا إلى مناطق جغرافية أخرى، وربما تجد أماكن بدرجات حرارة أقل؛ إلا أن مستويات تكيّفها أمر لا يصدّق”. 


أما الأنواع التي تعيش في مرتفعات في بيئات أكثر برودة، مثل الزواحف في جبال الحجر أو الجبل الأخضر في سلطنة عمان، فيتوقع أن تعاني أكثر من الأنواع الأخرى.  وأضاف “ليس الوضع المذكور في الدراسة إلا أحد الدراسات القليلة التي أجريت على المستوى العالمي”. “والأمر يزداد تعقيدًا عندما يأتي الحديث عن الأنواع الجبلية، التي لا يمكنها العيش إلا هناك؛ وقد تعاني أكثر من ذلك”.

 

أمّا عندما يتعلق الأمر بحماية الأنواع والفصائل، أوصى د. سلفادور كارانزا باتباع مزيج من التغيير السلوكي وتقليل استخدام الوقود الأحفوري، فضلًا عن رصد مدى التكيف مع البيئة الطبيعية، الذي هو أمر بالغ الأهمية. 

 

واختتم د. كارانزا حديثه قائلًا “من شأن ذلك أن يساعدنا في التأهب ودراسة كيفية تغيّر سلوك هذه الأنواع ومدى احتمال انقراض بعضها”. “ولطالما كانت مثل هذه الحيوانات قادرة على البقاء منذ ملايين السنين، وربما ينقرض بعضها، ويُستثنى من ذلك الحيوانات العربية، التي تتميز بقدرة ملحوظة على التكيّف مع درجات الحرارة المرتفعة. فكل ما يساورني من قلق بالغ هو بشأن تلك الأنواع التي تعيش في المرتفعات”.

Livehealthymag.com is for every body and mind in the UAE. This magazine is all about moderation, making small changes, little additions and the odd subtraction.

Search

اشترك في نشرتنا الإخبارية

كن أول من يعلم بأحدث العروض والحملات الترويجية.